يعي العالم من حولنا و من فترة الى اخرى تغيرات جذرية قد تلامس جوانبه السياسية و الاقتصادية      و الاجتماعية فنجد انفسنا كأجزاء في بهذا الكل نعيش بدورنا تغيرات بداخلنا تلامس افكارنا و مشاعرنا و تغير من عاداتنا  سلوكياتنا . الجميع يتحدث اليوم و يعايش واقع مواجهة العالم بأسره بجائحة كورونا هذا الوباء الذي لم يكتفي ينخر الاجسام و لا بزهق الأرواح و لكنه نحت في مجتمعاتنا و فينا صورا جديدة عن ذواتنا في علاقتها بالكون و عن قيم عديدة طالما حملناها في ثنايا شخصياتنا دون ملاحظتها أو تقييمها أو حتى ترتيبها .

جعلتنا الكورونا نراجع قيمة الصحة و الأسرة و التضامن و النظافة... ثم نعيد ترتيبها بداخلنا. و في هذا الإطار تشهد أسرنا استيقاظه فريدة من نوعها جعلتنا نستفيد من التباعد الاجتماعي لتعزيز التقارب الأسري فاجتمعنا في مكان واحد و في زمان واحد تبادلنا الأفكار و المشاعر و تشاركنا في أداء المهمات فاكتشفنا بعضنا البعض و غيرنا رؤانا عن بعضنا البعض.

استعاد الأب الحاضر الغائب منذ زمن طويل في أسرنا التونسية - إلا من رحم ربي- مكانته و دوره فعايش عن قرب ما تتكبّده الزوجة من عناء شديد من اجل التوفيق بين مختلف أدوارها داخل البيت      و خارجة, فشاركها الزوج زمن الكورونا تلك الأدوار و خفف عنها عبئ الحمل الثقيل و كان لهذا اثرا ايجابي كبير على العلاقة الزوجية. 

استفاد الأبناء أيضا من عودة الأب بقوة للمنزل بعد إغلاق المقاهي و الالتزام بالعمل من داخل البيت استطاع الابناء افتكاك انتباه آبائهم ليشاركوهم اللعب و يقظوا معهم أوقات هم في أمس الحاجة لها من أجل نموّهم و تطوّر شخصياتهم .

إذن أرى اليوم أن الكورونا كانت و مازالت فرصة ذهبية للأفراد و المجتمعات و الدول من أجل إعادة ترتيب البيت الداخلي و تغير ما فينا نحو نسخ أفضل لنا و لمن حولنا و يبقى السؤال و التساؤل حول كيفية المحافظة على ما وصلنا له من إنجازات و من تغيرات و من عادات جديدة إيجابية مكتسبة كأفراد و مؤسسات .

هل يهدّد ما وصلنا له نسق الحياة الطبيعي الذي ينتظرنا اليوم أو غدا و هل يكفي ما قدمته لنا الكورونا من فرصة تغير للالتزام بالتغير أم أننا في حاجة لغرس ثقافة التغيير في مجتمعاتنا حتى لا نبقى ننتظر أزمات تغيّرنا؟