فشل جميل .. نبحث في رحلة الحياة عن تحقيق أهدافنا وطموحاتنا وفي كلّ خطوة نخ طوها نكون ممتلئين بذلك الشّغف الّذي يحرّكنا ويقودنا نحو متعة الإنجاز والتّغلّب على المصاعب وتجاوز التّحدّيات.. وبعد كلّ تخطيط وإنجاز بصفة عالية وأداء قويّ تغمرنا الفرحة والمشاعر العالية كتهنئة لأنفسنا على أنّ تضحياتنا وتعبنا لم يذهبوا سدى.. ولكن في عديد المرّات ما نضعه كهدف يصعب علينا إنجازه، رغم أنّ الخطّة مثاليّة والمهارات موجودة، ولربّما في سيرتنا الذّاتيّة حقّقنا ما هو أصعب منها وأكثر تعقيدا أيضا.. ولكن لا نحقّق الهدف ولا يتمّ الإنجاز وندخل في موعد مزعج مع الفشل الجميل. و هل هناك فشل جميل؟ الفشل كمفهوم إنساني هو عدم القدرة على تحقيق الهدف أو عدم الوصول للأداء المتوقّع.. ولكن في لحظة تأمّل في مفهومه و تجربته نجد أنّه فرصة جميلة وغالية لفتح باب الإنكسار والضّعف [همّة وسلوكا] ممّا يؤهّلنا إلى ممارسة إتيكيت أو أدب التواضع مع الآخر ومع الحياة ومع الله سبحانه وتعالى. فتواضع مع الآخر الّذي ربّما يتجاوزنا علما وخبرة في الحياة، ومع الحياة باستشعار معنى أنّها ليست متوقّفة على رغباتنا وقراراتنا وطموحاتنا.. بل هي كاملة [الشكل] متواصلة [السيسير] ثابتة [القيمة] ومتطوّرة [المعنى]. فندخل عليها بروح الطّفل المستكشف لا بعقل الغازي المسيطر المتحكم.. وتواضع مع الله سبحانه في وجهين: علما وقدرة. فما علمي أنا مقابل العلم الالهي الازلي لكلّ سيناريوهات الحياة (ما كان وماهو كائن وما سيكون) ؟ وماهي إحاطتي واتساعي أمام جلال علمه وشهادته على كل نبض وحركة وذبذبة في الأكوان؟ وفي القدرة على الفعل، فما مشيئتي إلا من مشيئته وما حركاتي وأفعالي إلا بإذنه. أيضا لالم الفشل بعدين أو أثرين: في الداخل يجمع أجزائنا ويصهرها من جديد ليحوّل الشّتات إلى كلّ والتّفرقة إلى وحدة متكاملة [قبضة الطين الأولى] أمّا في الخارج فتحطيم لتلك القشور والأقنعة المزيّفة مثل السّمعة والشّهرة والإنجاز والألقاب والرّتب [ الايجو ] . فعند وجود الألم المقدّس للفشل ( كما حدث مع سيدنا آدم) نعود للمرحلة صفر أي لبداية الرّحلة الأولى أو لحالتنا النورانية الأولى: الجنّة. "قلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة" فالفشل لم يكن يوما كائنا قبيحا أو سيّئا وإنّما يزعج ويؤلم لحكمة الإحياء والانبعاث من جديد إذ أنّه لولا الخطأ لما نزل آدم عليه السلام للأرض حتّى يقوم بدور الخلافة والقيادة لكلّ الكون فالفشل بداية التّمكين والاستخلاف والتّفويض..
Published on 2020-09-09 14:08:49